فصل: قال نظام الدين النيسابوري:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{ذلكم} الإِضلال.
{بِمَا كُنتُمْ تَفْرَحُونَ في الأرض} تبطرون وتتكبرون.
{بِغَيْرِ الحق} وهو الشرك والطغيان.
{وَبِمَا كُنتُمْ تَمْرَحُونَ} تتوسعون في الفرح، والعدول إلى الخطاب للمبالغة في التوبيخ.
{ادخلوا أبواب جَهَنَّمَ} الأبواب السبعة المقسومة لكم.
{خالدين فِيهَا} مقدرين الخلود.
{فَبِئْسَ مَثْوَى المتكبرين} عن الحق جهنم، وكان مقتضى النظم فبئس مدخل المتكبرين ولكن لما كان الدخول المقيد بالخلود بسبب الثواء عبر بالمثوى.
{فاصبر إِنَّ وَعْدَ الله} بهلاك الكافرين.
{حَقّ} كائن لا محالة.
{فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ} فإن نرك، وما مزيدة لتأكيد الشرطية ولذلك لحقت النون الفعل ولا تلحق مع أن وحدها.
{بَعْضَ الذي نَعِدُهُمْ} وهو القتل والأسر.
{أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ} قبل أن تراه.
{فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ} يوم القيامة فنجازيهم بأعمالهم، وهو جواب {نَتَوَفَّيَنَّكَ} وجواب {نُرِيَنَّكَ} محذوف مثل فذاك، ويجوز أن يكون جوابًا لهما بمعنى إن نعذبهم في حياتك أو لم نعذبهم فإنا نعذبهم في الآخرة أشد العذاب، ويدل على شدته الاقتصار بذكر الرجوع في هذا المعرض.
{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مّن قَبْلِكَ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ} إذ قيل عدد الأنبياء مائة ألف وأربعة وعشرون ألفًا، والمذكور قصصهم أشخاص معدودة.
{وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِىَ بِئَايَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ الله} فإن المعجزات عطايا قسمها بينهم على ما اقتضته حكمته كسائر القسم، ليس لهم اختيار في إيثار بعضها والاستبداد بإتيان المقترح بها.
{فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ الله} بالعذاب في الدنيا أو الآخرة.
{قُضِىَ بالحق} بإنجاء المحق وتعذيب المبطل.
{وَخَسِرَ هُنَالِكَ المبطلون} المعاندون باقتراح الآيات بعد ظهور ما يغنيهم عنها.
{الله الذي جَعَلَ لَكُمُ الأنعام لِتَرْكَبُواْ مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ} فإن من جنسها ما يؤكل كالغنم ومنها ما يؤكل ويركب كالإِبل والبقر.
{وَلَكُمْ فيِهَا منافع} كالألبان والجلود والأوبار.
{وَلِتَبْلُغُواْ عَلَيْهَا حَاجَةً في صُدُورِكُمْ} بالمسافرة عليها.
{وَعَلَيْهَا} في البر.
{وَعَلَى الفلك} في البحر.
{تُحْمَلُونَ} وإنما قال: {وَعَلَى الفلك} ولم يقل في الفلك للمزاوجة، وتغيير النظم في الأكل لأنه في حيز الضرورة. وقيل لأنه يقصد به التعيش وهو من الضروريات والتلذذ والركوب والمسافرة عليها قد تكون لأغراض دينية واجبة أو مندوبة، أو للفرق بين العين والمنفعة.
{وَيُرِيكُمْ ءاياته} دلائله الدالة على كمال قدرته وفرط رحمته.
{فَأَىَّ آيَاتِ اللهِ} أي فأي آية من تلك الآيات.
{تُنكِرُونَ} فإنها لظهورها لا تقبل الإِنكار، وهو ناصب أي إذا لو قدرته متعلقًا بضميره كان الأولى رفعه والتفرقة بالتاء في أي أغرب منها في الأسماء غير الصفات لإبهامه.
{أَفَلَمْ يَسِيرُواْ في الأرض فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عاقبة الذين مِن قَبْلِهِمْ كَانُواْ أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَءاثَارًا في الأرض} ما بقي منهم من القصور والمصانع ونحوهما، وقيل آثار أقدامهم في الأرض لعظم أجرامهم.
{فَمَآ أغنى عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} {ما} الأولى نافية أو استفهامية منصوبة بأغنى، والثانية موصولة أو مصدرية مرفوعة به.
{فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بالبينات} بالمعجزات أو الآيات الواضحات.
{فَرِحُواْ بِمَا عِندَهُمْ مِّنَ العلم} واستحقروا علم الرسل، والمراد بالعلم عقائدهم الزائغة وشبههم الداحضة كقوله: {بَلِ ادرك عِلْمُهُمْ في الاخرة} وهو قولهم: لا نبعث ولا نعذب، وما أظن الساعة قائمة ونحوها، وسماها علمًا على زعمهم تهكمًا بهم، أو علم الطبائع والتنجيم والصنائع ونحو ذلك، أو علم الأنبياء، وفرحهم به ضحكهم منه واستهزاؤهم به ويؤيده: {وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ} وقيل الفرح أيضًا للرسل فإنهم لما رأوا تمادي جهل الكفار وسوء عاقبتهم فرحوا بما أوتوا من العلم وشكروا الله عليه وحاق بالكافرين جزاء جهلهم واستهزائهم.
{فَلَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا} شدة عذابنا.
{قَالُواْ ءَامَنَّا بالله وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ} يعنون الأصنام.
{فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إيمانهم لَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا} لامتناع قبوله حينئذ ولذلك قال: {لَمْ يَكُ} بمعنى لم يصح ولم يستقم، والفاء الأولى لأن قوله: {فَمَا أغنى} كالنتيجة لقوله: {كَانُواْ أَكْثَرَ مِنْهُمْ} والثانية لأن قوله: {فَلَمَّا جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم} كالتفسير لقوله: {فَمَا أغنى} والباقيتان لأن رؤية البأس مسببة عن مجيء الرسل وامتناع نفي الإِيمان مسبب عن الرؤية.
{سُنَّتَ الله التي قَدْ خَلَتْ في عِبَادِهِ} أي سن الله ذلك سنة ماضية في العباد وهي من المصادر المؤكدة.
{وَخَسِرَ هُنَالِكَ الكافرون} أي وقت رؤيتهم البأس، اسم مكان استعير للزمان. عن النبي صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة المؤمن لم يبق روح نبي ولا صديق ولا شهيد ولا مؤمن إلا صلى عليه واستغفر له». اهـ.

.قال نظام الدين النيسابوري:

{إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ (51)} التفسير: هذا من تمام قصة موسى وعود إلى مقام انجر الكلام منه وذلك أنه لما قيل {فوقاه الله} وكان المؤمن من أمة موسى علم منه ومما سلف مرارًا أن موسى وسائر قومه قد نجوا وغلبوا على فرعون وقومه فلا جرم صرح بذلك فقال: {إنا لننصر رسلنا} الآية. ونصرتهم في الدنيا بإظهار كلمة الحق وحصول الذكر الجميل واقتداء الناس بسيرتهم إلى مدة ما شاء الله، وقد ينصرون بعد موتهم كما أن يحيى بن زكريا لما قتل قتل به سبعون ألفًا. وأما نصرهم في الآخرة فمن رفع الدرجات والتعظيم على رءوس الأشهاد من الحفظة والأنبياء والمؤمنين وقد مر باقي تفسير الأشهاد في أوائل هود.
ثم بين أن يوم القيامة لا اعتذار فيه لأهل الظلم والغواية وإن فرض اعتذار فلا يقبل وسوء الدار عذاب الآخرة. ثم أخبر عن إعطاء موسى التوراة وإيراثها قومه بعده. والمراد بكون الكتاب هدى أنه دليل في نفسه، وبكونه ذكرى أن يكون مذكرًا للشيء المنسيّ. وحين فرغ من قصة موسى وما تعلق بها خاطب نبيه صلى الله عليه وسلم مسليًا له بقوله: {فاصبر إن وعد الله} بالنصر وإعلاء كلمة الحق {حق} كما قص عليك من حال موسى وغيره. ثم أمره باستغفاره لذنبه وقد سبق البحث في مثله مرارًا. والعشيّ والإبكار صلاتا العصر والفجر أو المراد الدوام. قوله: {إن الذين يجادلون} عود إلى ما انجر الكلام إليه من أول السورة إلى ههنا. وفيه بيان السبب الباعث لكفار قريش على هذا الجدال وهو الكبر والحسد وحب الرياسة، وأن يكون الناس تحت تصرفهم وتسخيرهم لا أن يكونوا تحت تصرف غيرهم فإن النبي صلى الله عليه وسلم لابد أن تكون الأمة تحت أمره ونهيه وذلك تخيل فاسد لأن الغلبة لدين الإسلام ولهذا قال: {ما هم ببالغيه} ثم أمره أن يستعيذ في دفع شرورهم بالله السميع لأقوالهم البصير بأحوالهم فيجازيهم على حسب ذلك. ثم إنهم كانوا أكثر ما يجادلون في أمر البعث فاحتج الله تعالى عليهم بقوله: {لخلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس} ومن قدر على الأصعب في نظر المخالف وقياسه كان على الأسهل أقدر، فظاهر أن هؤلاء الكفار يجادلون في آيات الله بغير سلطان ولا برهان بل لمجرد الحسد والكبير بل لا يعرفون ما البرهان وكيف طريق النظر والاستدلال ولهذا قال: {ولكن أكثر الناس لا يعلمون}.
ثم نبه على الفرق بين الجدال المستند على العناد والتقليد وبين الجدال المستند إلى الحجة والدليل قائلًا {وما يستوي الأعمى والبصير} وحين بين التفاوت بين الجاهل والعالم أراد أن يبين التفاوت بين المحسن والمسيء ثم قال: {قليلًا ما تتذكرون} وفيه مزيد توبيخ وتقريع، وفيه أن هذا التفاوت مما يعثر عليه المكلف بأدنى تأمل لو لم يكن معاندًا مصرًا. ثم صرح بوجود القيامة قائلًا {إن الساعة لآتية} أدخل اللام في الخبر بخلاف ما في طه لأن المخاطبين هاهنا شاكون بخلاف المخاطب هناك وهو موسى، وهذه الآية كالنتيجة لما قبلها. ومعنى {لا يؤمنون} لا يصدّقون بالبعث. ثم إنه كان من المعلوم أن الإنسان لا ينتفع في يوم القيامة إلا بالطاعة فلا جرم أشار إليها بقوله: {وقال ربكم ادعونى أستجب لكم} أكثر المفسرين على أن الدعاء هاهنا بمعنى العبادة، والاستجابة بمعنى الإنابة بقوله سبحانه {إن الذين يستكبرون عن عبادتي} والدعاء بمعنى العبادة كثير في القرآن كقوله: {إن يدعون من دونه إلا إناثًا} [النساء: 117] روى النعمان بن بشير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الدعاء العبادة» وقرأ هذه الآية. وجوّز آخرون أن يكون الدعاء والاستجابة على ظاهرهما، ويراد بعبادتي دعائي لأن الدعاء باب من العبادة يصدّقه قول ابن عباس: أفضل العبادة الدعاء. وقد مرّ تحقيق الدعاء في سورة البقرة في قوله: {أجيب دعوة الداع إذا دعان} [الآية: 186] وقد فسره ابن عباس بمعنى آخر قال: وحدوني أغفر لكم. وفي الدعاء. قال جار الله: وهذا تفسير للدعاء بالعبادة ثم للعبادة بالتوحيد. ومعنى {داخرين} صاغرين. وقال أهل التحقيق: كل من دعا الله وفي قلبه مثقال ذرة من المال والجاه وغير ذلك فدعاؤه لساني لا قلبي ولهذا قد لا يستجاب لأنه اعتمد على غير الله. وفيه بشارة هي أن دعاء المؤمن وقت حلول أجله يكون مستجابًا ألبتة لانقطاع تعلقه وقتئذ عما سوى الله. ثم إنه تعالى ذكر نعمته على الخلائق بوجود الليل والنهار وقد مر نظير الآية مرارًا ولاسيما في أواخر يونس وأواسط البقرة.
وكرر ذكر الناس نعيًا عليهم وتخصيصًا لكفران النعمة بهم من بين سائر المخلوقات. وأما وجه النظم فكأنه يقول: إني أنعمت عليك بهذه النعم الجليلة قبل السؤال فكيف لا أنعم عليك بما هو أقل منه بعد السؤال؟ ففي تحريض على الدعاء. وأيضًا الاشتغال بالدعاء مسبوق بمعرفة المدعوّ فلذلك ذكر في عدّة آيات دلائل باهرة من الآفاق والأنفس على وحدانيته واتصافه بنعوت الكمال. قوله: {ذلكم الله} إلى قوله: {إلا هو} قد مر في الأنعام.
قوله: {كذلك يؤفك} أي كل من حجد بآيات الله ولم يكن طالبًا للحق فإنه مصروف عن الحق كما صرفوا. قوله: {فأحسن صوركم} كقوله: {ولقد كرمنا بني آدم} [الإسراء: 70] {لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم} [التين: 4] قوله: {الحمد لله ربّ العالمين} إما استئناف مدح من الله تعالى لنفسه، وإما بتقدير القول.
أي فادعوه مخلصين قائلين الحمد لله. قوله: {لما جاءني البينات} شامل لأدلة العقل والنقل جميعًا. قوله: {ثم لتبلغوا أشدكم} متعلق بمحذوف أي ثم يبقيكم لتبلغوا وكذلك لتكونوا. وأما قوله: {ولتبلغوا أجلًا مسمى} فمتعلق بفعل آخر تقديره ونفعل ذلك لتبلغوا أجلًا مسمى هو الموت أو القيامة، ورجاء منكم أن تعقلوا ما في ذلك من العبر.
وحيث انجر الكلام إلى ذكر الأجل وصف نفسه بأن الإحياء والإماتة منه، ثم أشار بقوله: {فإذا قضى} إلخ إلى نفاذ قدرته في الكائنات من غير افتقار في شيء مّا إلى آلة وعدّة. وأشار إلى أن الإحياء والإماتة ليسا من الأشياء التدريجية ولكنهما من الأمور الدفعية المتوقفة على أمر كن فقط، وذلك أن الحياة تحصل بتعلق النفس الناطقة بالبدن، والموت يحدث من قطع ذلك التعلق، وكل من الأمرين يحصل في آن واحد.
ويمكن أن يكون فيه إشارة إلى خلق الإنسان الأوّل وهو آدم كقوله: {خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون} [آل عمران: 59] ثم عاد إلى ذم المجادلين وذكر وعيدهم قائلا {ألم تر} الآية والكتاب القرآن. وما أرسل به الرسل سائر الكتب.
وقوله: {فسوف يعلمون إذ الأغلال في أعناقهم} ليس كقول القائل: سوف أصوم أمس. بناء على أن سوف للاستقبال وإذ للمضي، لأن إذ هاهنا بمعنى إذا إلا أنه ورد على عادة أخبار الله نحو {وسيق} [الزمر: 73] {ونادى} [الأعراف: 48] وقال المبرد: إذ صارت زمانًا قبل سوف لأن العلم وقع منهم بعد ثبوت الأغلال. والمعنى علموا من الأغلال الذي كانوا أو عدوه من بعد أن حق بالوجود. ومعنى {يسجرون} قال جار الله: هو من سجر التنور إذا ملأه بالوقود، ومعناه أنهم في النار فهي محيطة بهم وهم مسجورون بها مملوءة أجوافهم منها. والحاصل أنهم يعذبون مرة بالماء الشديد الحرارة ومرة بالنار. وقال مقاتل: في الحميم يعني في حر النار {ثم قيل لهم} على سبيل التوبيخ {أينما كنتم} ما موصولة مبتدأ و أين خبرها. ومعنى {ضلّوا} غابوا وضاعوا ولم يصل إلينا ما كنا نرجوه من النفع والشفاعة، وأكدوا هذا المعنى بقوله: {بل لم نكن ندعوا من قبل شيئًا} يعتدّ به كما تقول: حسبت أن فلانًا شيء فإذا هو ليس بشيء أي ليس عنده خير. ومن جوّز الكذب على الكفار لم يحتج إلى هذا التأويل وقال: إنهم أنكروا عبادة الأصنام. ثم قال: {كذلك يضل الله الكافرين} قالت الأشاعرة: أي عن الحجة والإيمان. وقالت المعتزلة: عن طريق الجنة بالخذلان. وقال في الكشاف: أي مثل ضلال آلهتهم عنهم يضلهم عن آلهتهم حتى لو طلبوا الآلهة أو طلبتهم الآلهة لم يجد أحدهما الآخر. واعترض عليه بأنهم مقرونون بآلهتهم في النار لقوله: {إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم} [الأنبياء: 98] والجواب أن كون الجميع في النار لا ينافي غيبة أحدهما عن الآخر.
وأجاب في الكشاف باختلاف الزمان وبتفسير الضلال بعدم النفع.
{ذلكم} العذاب بسبب ما كان لكم من الفرح والمرح أي النشاط {بغير الحق} وهو الشرك وعبادة الصنم. ويجوز أن يكون القول محذوفًا أي يقال لهم ادخلوا أبواب جهنم السبعة المقسومة لكل طائفة مقدّرين الخلود فيها {فبئس مثوى المتكبرين} يعني الذين مر ذكرهم في قولهم {إن في صدوركم إلاّ كبر} والمخصوص بالذم محذوف وهو مثواكم أو جهنم.
قال جار الله: إنما لم يقل فبئس مدخل المتكبرين حتى يكون مناسبًا لقوله: {ادخلوا} كقولك: زر بيت الله فنعم المزار. لأن الدخول المؤقت بالخلود في معنى الثواء. وحين زيف طريقة المجادلين مرة بعد مرة أمر رسوله بالصبر على إيذائهم وإيحاشهم إلى إنجاز الوعد بالنصرة قال: {فإما نرينّك بعض الذي نعدهم} من عذاب الدنيا فذاك {أو نتوفينك فإلينا يرجعون} هذا التقدير ذكره جار الله، وقد مر في يونس مثله.
وأقول: لا بأس أن يعطف قوله: {أو نتوفينك} على {نرينك} ويكون الرجوع إلى الله جزاء لهما جميعًا ومعناه: إنا نجازيهم على أعمالهم يوم القيامة سواء عذبوا في الدنيا أو لم يعذبوا. ثم سلاه بحال الأنبياء السابقة ليقتدي بهم في الصبر والتماسك فقال: {ولقد أرسلنا} الآية. ذهب بعض المفسرين إلى أن عدد الأنبياء مائة ألف وأربعة وعشرون ألفًا. وقيل: ثمانية آلاف، نصف ذلك من بني إسرائيل والباقي من سائر الناس. ولعل الأصح أن عددهم لا يعلمه إلا الله لقوله تعالى: {ألم يأتكم نبأ الذين من قبلكم قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم لا يعلمهم إلا الله} [إبراهيم: 9] لكن الإيمان بالجميع واجب. عن علي رضي الله عنه. بعث الله نبيًا أسود لم يقص علينا قصته. ثم إن قريشًا كانوا يقترحون آيات تعنتًا كما مر في أواخر سبحان وأول الفرقان وغيرهما فلا جرم قال الله تعالى: {وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله فإذا جاء أمر الله} بعذاب الدنيا أو بالقيامة. وقال ابن بحر: أمر الله الآية التي اقترحوها وذلك أنه يقع الاضطرار عندها {وخسر هنالك} أي في ذلك الوقت استعير المكان للزمان {المبطلون} وهم أهل الأديان الباطلة. ثم عاد إلى نوع آخر من دلائل التوحيد قائلًا {الله الذي جعل لكم الأنعام لتركبوا} قال جار الله: ظاهر النظم يقتضي إدخال لام الغرض في القرائن الأربع أو خلو الكل عنها فيقال: لتركبوا ولتأكلوا ولتصلوا إلى منافع ولتبلغوا. أو يقال: منها تركبون ومنها تأكلون وتصلون وتبلغون إلا أنه ورد على ما ورد لأن الركوب قد يجب كما في الحج والغزو، وكذلك السفر من بلد إلى بلد لهجرة أو طلب علم لا أقل من الندب فصح أن يكونا غرضين. وأما الأكل وإصابة المنافع فمن جنس المباح الذي لا تتعلق به إرادته كثير تعلق شرعًا. وإنما قال: {على الفلك} ولم يقل وفي الفلك مع صحته إذ هي كالوعاء إزدواجًا لقوله: {وعليها} [المؤمنون: 22] والحمل محمول على الظاهر.
وقيل: هو من قول العرب: حملت فلانًا على الفرس إذا وهب له فرسًا. ثم وبخهم بقوله: {ويريكم آياته فأيّ آيات الله تنكرون}.
ثم حرضهم وزاد توبيخهم بقوله: {أفلم يسيروا} الآية. وقد سبق.
وقوله: {فما أغنى عنهم} ما نافية أو استفهامية ومحلها النصب.
وقوله: {ما كانوا} مصدرية أو موصولة أي كسبهم أو الذي كسبوا. قوله: {فرحوا} لا يخلو إما أن يكون الضمير عائدًا إلى الكفار أو إلى الرسل.
وعلى الأول فيه وجوه منها: أنه تهكم بعلمهم الذي يزعمون كقولهم {وما أظن الساعة قائمة} [الكهف: 36] {أئذا كنا ترابًا وعظامًا أئنا لفي خلق جديد} [ق: 4] ومنها أنه أراد بذلك شبهات الدهرية وبعض الفلاسفة كقولهم {وما يهلكنا إلا الدهر} [الجاثية: 24] وكانوا إذا سمعوا بوحي الله دفعوه وحقروا علم الأنبياء بالنسبة إلى علمهم كما يحكى عن سقراط أنه سمع بموسى عليه السلام فقيل له: لو هاجرت إليه؟ فقال: نحن قوم مهديون فلا حاجة بنا إلى من يهدينا. ويروى أن جالينوس قال لعيسى عليه السلام: بعثت لغيرنا. ومنها أن يراد علمهم بظاهر المعاش كقوله: {يعلمون ظاهرًا من الحياة الدنيا} [الروم: 7] وذلك مبلغهم من العلم فرحوا به وأعرضوا عن علم الديانات. وعلى الثاني يكون معناه أن الرسل لما رأوا جهل قومهم وسوء عاقبتهم فرحوا بما أوتوا من العلم وشكروا الله وحاق بالكافرين جزاء جهلهم واستهزائهم. ووجه آخر وهو أن يكون ضمير {فرحوا} للكفار وضمير {عندهم} للرسل أي فرحوا بما عند الرسل من العلم فرح ضحك واستهزاء. ثم بين أن إيمان البأس وهو حالة عيان العذاب أو أمارات نزول سلطان الموت غير نافع وقد مر مرارًا. ومعنى {فلم يك ينفعهم} لم يصح ولم يستقم لأن الإلجاء ينافي التكليف. وترادف الفاءات في قوله: {فما أغني} {فلما جاءتهم} {فلما رأوا} {فلم يك} لترتيب الأخبار ولتعاقب المعاني من غير تراخٍ. وقال جار الله: فما أغنى نتيجة قوله: {كانوا أكثر منهم} وقوله: {فلما جاءتهم} جار مجرى البيان والتفسير لقوله: {فلما أغنى} وقوله: {فلما رأوا بأسنا} تابع لقوله: {فلما جاءتهم} كأنه قال: فكفروا كقولك: رزق زيد المال فمنع المعروف فلم يحسن إلى الفقراء.
وقوله: {فلما رأوا بأسنا} آمنوا وكذلك {فلم يك} تابع لإيمانهم بعد البأس. قال أهل البرهان: وإنما قال هاهنا {وخسر هنالك الكافرون} وفيما قبل {المبطلون} لأنه قال هناك: {قضى بالحق} ونقيض الحق الباطل، وههنا ذكر أن إيمان البأس غير مجد ونقيضه الكفر والله أعلم. اهـ.